الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في اسم العزيز، والعزيز أي المُعز، كأن تقول: الأليم أي المؤلم، هذا معنى آخر، العزيز هو المُعز، كأن تقول: هذا شيء أليم أي مؤلم، وقد قال الله عز وجل:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
الإعزاز خير، والإذلال خير، إيتاء الملك خير، ونزعه خير، لأن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق،
(( عن صهيب: عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له. ))
لم يقل: بيدك الخير والشر، قال: ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ لأن إيتاء الملك خير، وانتزاعه خير لحكمة بالغةٍ بالغة، والإعزاز خير والإذلال خير، لكن الله سبحانه وتعالى يُذِلّ ليُعز، ويخفض ليرفع، ويأخذ ليعطي، هذه الأسماء الحسنى-كما قال بعض العلماء-ينبغي أن تُذكر مثنى مثنى، الضار النافع، يضر لينفع، ويخفض ليرفع، ويأخذ ليعطي، ويُذِلّ ليعز، فمن أسماء الله تعالى العزيز أي المُعز.
الاستقامة هي الطريقة العملية لإعزاز الإنسان:
لكن ما الطريقة العملية لإعزاز الإنسان؟ الله عز وجل بيّنها، قال تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾
متى تكون عزيزاً؟ أي بالتطبيق العملي تكون عزيزاً إذا كنت محسناً، حينما تكون طبيباً وتراجع الدراسات التي أتقنتها، وتسأل المريض: هل عندك حساسية من هذا الدواء؟ أما إن لم تسأله، وأصابته صدمة، ولم تكن قد أعلمته فأنت مسؤول، أي أنك إذا كنت محسناً تكون عزيزاً في عملك، إذا كنت زوجاً محسناً تكون عزيزاً في بيتك، إذا كنت أباً محسناً تكون عزيزاً عند أولادك، إذا كنت تاجراً صدوقاً نصوحاً تكون عزيزاً عند زبائنك، إذا كنت مدير مؤسسة مُحسناً تكون عزيزاً عند موظفيك، كأن الله سبحانه وتعالى يبين لنا طريق العز، أن تكون متقناً، أن تكون محسناً، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ الجنة، ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ النظر إلى وجه الله الكريم، ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ أي غبار، ﴿وَلَا ذِلَّةٌ﴾ تكون عزيزاً إذا كنت محسناً، تكون عزيزاً إذا كنت نظيفاً، تكون عزيزاً إذا كنت صادقاً، تكون عزيزاً إذا كنت أميناً، لا أحد يستطيع أن ينال منك، وكأنك ملك، المستقيم عزيز، النظيف عزيز، الطاهر عزيز، الصادق عزيز، المخلص عزيز، تكون عزيزاً إذا كنت مستقيماً، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾ .
العاقل من ابتعد عما يُعتذر منه:
بالمقابل:
﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)﴾
متى يكون ذليلاً؟ إذا كان خائناً، حينما تكشف خيانته يُذّل، إذا كان سارقاً يُذل، إذا كان كاذباً يُذَل، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن عكرمة بن خالد: عن سعدٍ أنه قال لابْنِهِ عندَ الموتِ يا بُنَيَّ إِنَّكَ لن تلْقَ أحدًا هو أنصَحُ لكَ مِنِّي إذا أردتَّ أن تصلِّيَ فأَحْسِنْ وضوءَكَ ثمَّ صَلِّ صلاةً لا تَرَى أنكَ تُصَلِّي بعدَها وإيَّاكَ والطَّمَعَ فَإِنَّهُ فقْرٌ حاضِرٌ وعليكَ بِالإيَاسِ فَإِنَّهُ الغِنَى وَإِيَّاكَ ومَا يُعْتَذَرُ إليه من العملِ والقولِ واعملْ ما بدا لَكَ. ))
[ أخرجه أحمد: خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح ]
العمل الذي تُضطر أن تعتذر منه إياك أن تفعله، تبقى رافع الرأس، ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ .
المؤمن الصادق خلوته كجلوته وسريرته كعلانيته:
إذا كنت مع العزيز كنت عزيزاً، إذا كنت مع العزيز قطعاً سوف تكون مستقيماً، لأنه لا يقبلك إلا إذا كنت مستقيماً، فإذا كنت مستقيماً طبيعة الحياة ترفعك عند الناس تكون عزيزاً.
أيها الإخوة؛ هذا معنى أن العزيز هو المُعز، إن أردت عزّ الدنيا والآخرة فاستقم على أمر الله، إن أردت أن تكون فالحاً، وناجحاً، وعزيزاً، وكريماً، ورفيع المقام، كن مستقيماً، الاستقامة أصل من أصول الدين، لن تقطف من الدين شيئاً إلا إذا كنت مستقيماً، المؤمن الصادق لا يوجد عنده موقف مزدوج، خلوته كجلوته، سره كعلانيته، سريرته كعلانيته، باطنه كظاهره، مع الناس حاله كحاله في خلوته.
الصدق والاستقامة والأمانة هذه الأخلاق بحدِّ ذاتها تجعل الإنسان عزيزاً:
إخواننا الكرام؛ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كما قال السيد المسيح، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، الإنسان يعيش بكرامته، كرامته تتأتى من استقامته، أي تصور إنساناً كُشف أنه كاذب، كُشف أنه خائن، كُشِف أن مختلس، كُشِف أنه يحابي أقرباءه، انتهى، سقط من عين الناس، ومن عين الله عز وجل، ولأن يسقط الإنسان من السماوات إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله.
معنى العزيز المُعز، ولأنه أمرك أن تكون صادقاً، مستقيماً، أميناً، عفيفاً، هذه الأخلاق الرفيعة هي بحدِّ ذاتها تجعلك عزيزاً عند الناس، يقول لك: فلان نظيف، فلان صادق، فلان أمين.
2 ـ أن يكون الله عز وجل أغلى عندك من أي شيء آخر:
أيها الإخوة؛ معنى آخر من معاني العزيز، يستحيل أن تصل إليه، ويستحيل أن يتجلى على قلبك، ويستحيل أن يُقَربك إذا كان في حياتك شهوة أو معصية أغلى عليك منه، فالطريق ليس سالكاً إلى الله، هو عزيز، أحياناً إنسان تسترضيه بشيء بسيط، أما في جهة أخلاقية لا تُسترضى ولا بشكل، إلا إذا كنت مستقيماً، نقطة دقيقة، الله عزيز، لا يمنحك وده، لا يمنحك حبه، لا يمنحك رعايته، لا يدافع عنك، لا يقربك إلا إذا كان الله عز وجل أغلى عليك من كل شيء، إن كان الله عندك هكذا منحك قربه، ودّه، توفيقه، محبته، أما إذا كان هناك شهوة أغلى عليك منه، أو هناك مخالفة مقيم عليها، وتعلم أنها مخالفة لن تصل إليه، ولن تأخذ من ثمار الدين شيئاً، هذه حقيقة، الدليل قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾
سلعة الله غالية، أي الجنة لن تكون بركعتين وليرتين، تكون باستقامة، تكون بمجاهدة، تكون بضبط نفس، تكون بصبر، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ .
من طمع بجنة عرضها السماوات والأرض عليه أن ينفق من وقته وماله في سبيل الله:
آية أخرى:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)﴾
تنفق من وقتك الثمين، تنفق من مالك العزيز، تنفق من خبرتك، أما أن تطمع بجنة عرضها السماوات والأرض وأنت حريص على المال، حريص على الراحة، حريص على ألا تضع نفسك في موضع مُحرج، ولا تعبأ بأي عمل صالح، ليس هذا من شأن المؤمن، لكن الآية التي توضح هذا المعنى بشكل جلي هي قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
[ سورة التوبة ]
والله هذه الآية أيها الإخوة تقصم الظهر، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ أي الأب غني، وقوي، أمر ابنه بمعصية، فالابن من شدة حرصه على أن يأخذ من مال أبيه، وأن يبقى مُقرباً إليه فعصى الله إرضاءً لأبيه، هذا المعنى، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ من أجل أن تجعله رفيع الشأن في المجتمع أكلت المال الحرام، كان ابنه أغلى عنده من الله، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾ من أجل أن تكون عندهم كبيراً، المجتمع فاسد، المجتمع منحل، فمن أجل أن تكون عندهم كبيراً عصيت الله وأرضيتهم، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ تحبها كثيراً، طلبت منك طلباً يُغضب الله، فمن أجلها أغضبت الله عز وجل، مرة كان الحسن البصري رحمه الله تعالى، وهو من التابعين الكبار عند والي البصرة، جاءه توجيه هذا الوالي من الخليفة، لو أنه نفّذه لأغضب الله عز وجل، ولو أنه لم يعبأ بهذا التوجيه لأغضب الخليفة، فعزله، فوقع كما يقال في حيص بيص، كان عنده الإمام الحسن البصري، قال له: ماذا أفعل؟ والله أيها الإخوة؛ أجابه إجابة يجب أن تكون منهجاً لكل واحد منا، منهج، قال له: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
الطريق إلى الله ليس سالكاً حينما تُؤثر كل شيء على رضا الله تعالى:
أحياناً الإنسان من أجل ابنه يرتكب كل المعاصي والآثام، يسافر إلى بلد بعيد يستقر هناك، يتجنس، وينسى أن يتصل بأبيه في العامين مرة، يتزوج، لأنه عصى الله من أجله فكان ردّ ابنه هكذا، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ مكانتك في المجتمع، الآن: ﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ أحياناً يكون هناك بضاعة محرمة لكن ربحها عالٍ جداً، ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ مغتصب بيتاً، يعني أي شيء في الدنيا؛ بيت، مكانة، منصب، مكسب، إن كانت هذه الأشياء: ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾ أي الطريق إلى الله ليس سالكاً، لأن الله عز وجل عزيز، حينما تستسلم له كلياً، حينما تخضع له كلياً، حينما تؤثره على كل شيء، ترى من الخيرات، والرفعة، والمكانة، والشأن، والراحة، والتوازن، والسعادة، والاستقرار، والشعور بالأمن، والشعور بالتفوق ما لا يوصف.
القرب والحفظ والتأييد من الله لا يكون إلا بالخضوع لأمره والاستسلام له:
﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ حقيقة دقيقة في الدين، أن تجمع بين الدين والدنيا، أن تجمع بين الدين وبين مخالفات وتجاوزات في الدنيا، بإمكانك أن تصلي، لكن لن تستطيع أن تتصل بالله، بإمكانك أن تحج بيت الله الحرام لكن لن تستطيع أن تكون مُقبلاً على الله، بإمكانك أن تصوم رمضان، هذه العبادات الشعائرية بإمكانك أن تؤديها أداءً تاماً، أما إذا كان هناك شهوة، أو معصية، أو انحراف أغلى عليك من الله؛ فاعلم علم اليقين أن الطريق إلى الله ليس سالكاً، هذه الآية أعيدها مرة ثانية: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ الله عزيز إن أخلصت له، إن خضعت له، إن استسلمت له، إن وضعت تحت قدمك كل حظوظك ترى شيئاً لا يوصف، ترى القرب، ترى الحب، ترى التوفيق، ترى التأييد، ترى النصر، ترى التوازن، ترى السعادة، ترى الطمأنينة، فإن آثرت عليه شيئاً فالطريق إليه ليس سالكاً، ممكن تشتري هاتفاً بأعلى مستوى، وبأغلى ثمن، لكن لا يوجد خط، لا يوجد حرارة، لن يكون الخط حاراً إلا باستقامتك على أمر الله.
طاعة الله عز وجل ثمن حلاوة الإيمان:
شاهد آخر؛
(( عن أنس بن مالك: ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهن طعمَ الإيمانِ، من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا للهِ، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ بعد إذ أنقذَه اللهُ منه، كما يكرهُ أن يقذفَ في النارِ. ))
[ الترمذي: خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح ]
الإيمان له حلاوة، أو هناك حقائق وهناك حلاوة، الحقائق واضحة جداً، أركان الإسلام، أركان الإيمان، أحكام الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، يَسهُل حفظها، ويَسهُل أن تُعَلِّمها أيضاً، أما حلاوة الإيمان شيء لا يصدق، حلاوة الإيمان يجعلك بطلاً، حلاوة الإيمان يجعلك تضع تحت قدمك كل حظوظ الدنيا.
سيدنا خبيب قبل أن يُصلب، قبل أن يصلبه المشركون سأله أبو سفيان-دققوا- أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت معافىً في أهلك؟ قال خبيب: والله-سيموت بعد قليل-والله ما أحبّ أن أكون في أهلي، أمامي زوجتي، وأولادي، وفي بيتي، ومستقراً، ومرتاحاً، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، النعيم يوجد زهور، يوجد أنواع منوعة من الفواكه، يوجد كل الأجهزة الكهربائية بالبيت، بيت مساحته واسعة، إطلالته جميلة، أمامك زوجتك شابة في ريعان الشباب، أولاد، والله ما أحبّ أن أكون في أهلي وفي ولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويُصاب رسول الله بشوكة، فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً، هذا الإيمان، حينما يستوي عندك التبر والتراب تكون مؤمناً، المليون مثل الليرة، يوجد شبهة؟ تركلها بقدمك، حلاوة الإيمان لها ثمن، ثمنها طاعة الله عز وجل، ((ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان، أن يكون الله ورسوله)) دققوا ((أحبّ إليه مما سواهما)) كيف؟ هو طبعاً لو سألت ملياراً وخمسمئة مليون مسلم ألا تحب الله أكثر من كل شيء؟ يقول لك: طبعاً، أعوذ بالله! هذا كلام، أن يكون الله في قرآنه، والنبي في سنته، حينما يتعارضان مع مصلحتك أن تؤثر جانب الله عز وجل، وجانب رسوله، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، أن يكون الله في قرآنه، والنبي في سنته أحبّ إليك مما سواهما عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان.
مرة ثانية؛ ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، نحن في الدنيا يا إخوان، حتى تكتب جانب اسمك دال فقط، معك ابتدائي، وإعدادي، وثانوي، وجامعة، ودبلوم عامة، ودبلوم خاصة، وماجستير، ودكتوراه، ثلاث وثلاثون سنة دراسة، من أجل إضافة كلمة دال، ويأتي ملك الموت وينهيها لك، انتهى، عميد أسرتهم الدكتور فلان، انتهت، اللقب العلمي انتهى، فمن أجل أن تكون مؤمناً، من أجل أن تصل إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هذا يحتاج إلى جهد كبير، ((ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما)) عند التعارض ((وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)) .
3 ـ عجز اللسان عن وصفه سبحانه:
أيها الإخوة؛ من معاني العزيز من ضلت العقول في بحار عظمته، وكلت الألسنة عن وصف كمالاته، هذا المعنى عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
(( عن علي بن أبي طالب: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يقولُ في وترِهِ: اللهم إِنَّي أعوذُ برضاكَ من سخَطِكَ، وأعوذُ بمعافاتِكَ من عقوبَتِكَ، وأعوذُ بك منكَ لا أُحْصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ. ))
من تواضع لله رفعه ومن تكبّر وضعه:
الآن أيها الإخوة؛ كلما تواضعت لله تزداد عزاً، علاقة عكسية، وكلما ترفّع الإنسان وتكبّر وضعه الله عز وجل، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ».))
أي أقل أنواع الضيافة، قدم غنم، ((لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ)) يوجد تواضع، سيدنا الصديق له خدمة لجارته، له جارة عجوز، كان يحلب لها الشياه، فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الحزن على هذا البيت، لأن هذه الخدمة سوف تنتهي، في صبيحة اليوم الأول من تسلمه الخلافة طُرق باب العجوز، فقالت لابنتها: افتحي الباب يا بنيتي، فلما رجعت إليها قالت: من الطارق؟ قالت: جاء حالب الشاة يا أماه، قالت: إنه أمير المؤمنين! جاء حالب الشاة، أمير المؤمنين يحلب الشياه لجارته العجوز، كلما تواضعت لله زادك عزاً، وكلما تكبرت وَضَعك.
سيدنا عمر دخل رسول عامله على أذربيجان إلى المدينة ليلاً، كره أن يطرُق بابه، فتوجه إلى المسجد، سمع رجلاً في الليل، وفي الظلام يناجي ربه ويقول: يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها؟ قال له: من أنت يرحمك الله؟ قال له: أنا عمر، قال له: أمير المؤمنين! ألا تنام الليل؟ قال: أنا إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي، دعاه إلى البيت، أتأكل عندنا أم مع فقراء المسلمين؟ قال له: عندك، يوجد فرق كبير جداً طبعاً، قال لها: يا أم المؤمنين ماذا عندك من طعام؟ قال له: والله ما عندنا إلا خبز وملح، فقال لها: هاتيه لنا، أكل مع هذا الضيف، والضيف توهم أن الطعام عند أمير المؤمنين شيء كبير جداً، أما مع الفقراء، الفقراء يأكلون اللحم، هو يأكل الخبز والملح، فلما أكل وشبع قال: الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وسقانا فأروانا، هذا التواضع، كان هناك مجاعة، خاطب بطنه، قال له: قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين، ورد: التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، والعفو لا يزيد العبد إلا عزاً، والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة .
لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً:
آخر شيء أيها الإخوة؛ قال علي رضي الله عنه: ((من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى)) إن أردت أن تصل إلى شيء بمعصية، هذا الشيء بَعُد عنك، والخطر اقترب منك، لكن الحقيقة الدقيقة لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً، فإن لم تكن موحداً يمتلئ القلب خوفاً عندئذٍ تنبطح من شدة الخوف، لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
الموحد يرى أن يد الله فوق أيديهم، يرفع رأسه، لا ينافق، لا يتذلل، لا يتضعضع، لا يساوم، الموحد رقم صعب، الموحد ليس له ثمن، أما أي إنسان آخر له ثمن، وكل إنسان له ثمن، لمجرد أن يكون لك ثمن أنت انتهيت كإنسان، مبلغ معين يبدد قناعتك، انتهيت، أما الموحد رقم صعب، ليس له ثمن.
(( عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله، أو أهلك دونه. ))
[ فقه السيرة ليس له إسناد ثابت، من الأحاديث الضعيفة ]
اسم العزيز أيها الإخوة يهب المؤمن العزة، والكرامة، والمؤمن حينما يطيع الله عز وجل يكون عزيزاً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق